pregnancy

شبكة الجزائر | E.n.n

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شبكة الجزائر ترحب بكم،


شبكة الجزائر | هبة الدباغ تحكي عن مجزرة حماه واستشهاد كل افراد عائلتها



هبة تتلقى نبأ استشهاد أهلها كلهم في حماة

وكانت ليلة لا توصف ونحن ننتظر أول يوم جمعة بعد وصولنا لنطلب من أهالي السجينات قبلنا الاتصال بأهالينا وإخبارهم بانتقالنا وبمكاننا، فلما حضر أهل غزوة حينها رجوتهم أن يفعلوا ذلك مع أهلي لعلهم يحضرون الجمعة التالية، ولم أكن أعلم أن أحداً منهم لم يعد على قيد الحياة وأنهم قد قضوا نحبهم قبل حوالي ثمانية أشهر في أحداث حماة، لكن أهل غزوة كانوا يعلمون بالطبع، علاوة على أن والدتها نفسها استشهدت في الأحداث، لكنهم عادوا في الأسبوع التالي واعتذروا بأنهم لم يعرفوا مكان أهلي بعد التغيير الكبير الذي حصل في المدينة..


وجعلوا يحدثونني عن الأحداث ولكن أحداً لم يذكر شيئاً عن أهلي وعائلتي.. وفي الزيارة التالية حضر أهل رفيقتي سناء فرجوتهم أن يذهبوا إلى دار عمتي في دمشق ويخبروها بانتقالي، فلما اجتمعوا معها وعلموا أخبار أهلي منها أشفقوا علي ولم يشاؤوا إخباري، وأجابوني في زيارتهم التالية أنهم لم يستدلوا على البيت، وفي الزيارة التي تلتها قالوا أنهم ذهبوا فوجدوها مريضة ولم يسألوها عن أهلي، وبدأت أحس أن في الأمر شيئاً غير طبيعي،فلما ذهبوا قلت لسناء مواجهة: - تعالي لأقول لك.. أمك ذهبت إلى عمتي وعمتي قالت لها شيئاً.. فماذا هناك؟ هل مات أبى فلم تتمالك نفسها وردت بصوت خافت: الله يرحمه. قلت: الله يرحمه.. إذا كان مات فالله يرحمه. فقالت لي: هكذا بكل سهولة الله يرحمه؟ قلت لها وكأن ألم السجن يسهل على الإنسان كل شيء: الله يرحمه.. ماذا يمكن أن أفعل له إذا مات؟ لو نطحت رأسي بالجدار فلن يرجع! فوجدتها تبكي وبقايا كلام لا تزال على شفتيها، فقلت لها: هل مات أحد آخر معه؟ فأشارت لي نعم برأسها. قلت لها: أمي ماتت؟ قالت: الله يرحمها. صحت: ولي.. وأين إخوتي إذاً؟ فقالت لي: ذهبوا مع أمك.. لم ترض بأن تتركهم فأخذتهم معها! قلت لها: بماذا تخرفين.. هل تمزحين؟ كل إخوتي ماتوا! قالت: إي كلهم.. الله يرحمهم.. أليس ذلك أحسن من أن يبقى أحد منهم وينشغل بالك عليه! قلت وأنا كمن يتخبط في كابوس مرعب: إي طيب خلاص.. لا تزيدي.
كسرة خبز وحسب!
أما حادثة استشهادهم فبدأت عندما اعتصم أفراد من المقاومة في حينا واستعصى على القوات الحكومية اقتحامه، فأحكموا الحصار حوله ومنعوا المؤن والكهرباء والماء عن الحي كله، واستمر الحصار لسبعة أيام كما سمعت حتى لم يبق في بيتنا من الطعام أو الماء شيء، فخرج أبي وجعل يسأل طليعة القوات المحاصرة بعض ما يقيت الأطفال، وروى لي خالي الذي كان يشهد الحادثة من شباك بيته المطل على المكان أن الجندي انتهر أبي وأمره بالعودة من حيث أتى، لكن أحداً لم يكن ليستطيع أن يسكت جوع الأطفال، فخرج أبي مرة أخرى يقول للجنود: - فقط نريد قطعة خبز للصغار. فأجابه الجندي منتهراً: ارجع أحسن ما أرشك وأرميك بالأرض. لكن ذلك لم يرد أبي إلا لبرهة، عاد للمرة الثالثة بعدها يسألهم خبزاً فالأولاد يكادون يموتون.. في تلك المرة لم يجبه الجنود إلا بزخة رصاص أردته على باب بيته.. وصاح خالي من بيته المقابل وسقط من هول المنظر مغشياً عليه، فلما ركضت زوجة ابنه لتحمله لمحها الجنود فالقوا على البيت قنبلة ضوئية لتكشف كل ما فيه واقتحموا عليهم وانتشروا في كل مكان فيه متدرعين بالنساء والأطفال فيه.. في تلك اللحظات وعندما سقط أبي برصاص الجنود سمع أخي ماهر الصوت من قبو البيت حيث كان الجميع قد التجأ فخرج ليستطلع الأمر، فلما رأى أباه صريعاً أمامه ارتد إلى حجرته وتناول سلاحاً كان "شبيبة الثورة" قد سلموه إياه ليدافع عن أمن الثورة" ولم يكن عمره قد جاوز الثالثة عشرة بعد! واندفع ماهر خارج البيت يطلق النار على الجنود الذين قتلوا أباه، فأصاب منهم من أصاب قبل أن يردوه هو الآخر قتيلاً.. ولقد قال ناصيف خير بك لماجدة ولبقية رفيقاتي بعد ذلك عنه بكل صراحة : أعطيناه السلاح ليحمينا به فقتلنا به.. هؤلاء كلهم خونة.. ولذلك جعلنا الصغير فيهم أربع قطع لأن بذرته إخوان وكان سيطلع إخوان! بعد ذلك خرجت أمي تدعو عليهم وتبكي وتستنزل اللعنات، فأكملوا جريمتهم ورشوها أمام الباب أيضاً.. ثم دخلوا على البيت فأجهزوا على كل من بقي فيه: ياسر ابن أربعة أعوام، وقمر ابنة خمسة، ورنا في السادسة، وصفا التي كانت قد دخلت المدرسة في أول سنة لها وقد بلغت لتوها السبعة أعوام، ثم أختي ظلال التي كانت في العشرين تقريباً.. وأما أخوتي الثلاثة المتبقين فكان صفوان أولهم خارج سورية، وغسان وسامر متخفيان في حلب، فكانوا الناجين من بين بقية الأسرة التي قضت جميعاً، وبالطبع فقد تم جمع جثث الجميع مع بقية القتلى في البلد ودفنوا في مقابر جماعية دونما تمييز وذلك قبل أن يتم رفع حظر التجول ووقف القتل والتدمير بأيام.. وعندما تمكن الناس من الخروج من مخابئهم آخر الأمر وتوجه عمي وزوجته ليروا ما حدث لم يجدوا إلا غطاء رأس أمي عند بوابة البيت وسط بقعة كبيرة من الدم، ووجدوا على جدران القبو وفوق أرضه دم إخوتي البقية ولا أثر لجثة أي منهم.


هبة الدباغ


برعاية صفحة مجزرة حماه 1982 : هنا

فيديو عن شهداء حماه في مجازر 1982 : هنا
شكرا لتعليقك