pregnancy

شبكة الجزائر | E.n.n

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شبكة الجزائر ترحب بكم،


شبكة الجزائر | آخر الحي .... وحكاية العالم الآخر بقلم ناجي طيارة



( آخر الحي .... وحكاية العالم الآخر ) بقلم ناجي طيارة

كنت طفلا صغيراً حينها ..
أتوق للخروج خارج أسوار المنزل ... في حماة .. البيوت تشبه القلاع المحصنة ... لاصوت يخرج للهواء ... لا أمل يبدو في أجوء المدينة ... يحوم الصمت بين الأحجار ...
ترى العيون تخاف من بعضها .. والابتسامة كأنها مكافأة يخشاها القاطنون بين الحزن والألم
في حماة ... ترفرف الطيور وتزقزق .. داعية أهلها للفرح وللخروج ..
في حماة ... تأنّ النواعير فوق كتف العاصي ... يحكيان لبعضهما حكاية المدينة التي قامت قيامتها ... ولكنها وأدت ...
حين تمكن من التملص من رقابتي والدتي وجدتي ( رحمها الله ) وكل ذلكالهوف المتحصن أبدا خلف أسوار الدار ... قفزت ... وركضت أعدو ...
رأيت الشارع ... والحيطان ... والسماء الزرقاء ... تحيط بالمكان ..
جريت .. وجريت ... وجريت ...
جريت حتّى وصلت إلى آخر الطريق ..
ذلك ( الآخر ) الذي ما انفكت جدتي الراحلة تحدثني عنه ...
هنا نهاية الدنيا ... هنا يا ابني .. تنتهي الأرض ... وتنتهي الحكاية ...
حائط متوسط الارتفاع ... أسمع من خلفه أصواتاً متلهفة ..
صبية يلعبون ويمرحون ... ولكن أصواتهم ذات حشرجات غريبة ...
وأمهات تصرخ لتجمعهم .. وكأنهم يخشون نسمة الهواء على أطفالهم ...
أما أصوات الرجال فنادرة ...
لم أك لأستطيع رؤية ماخلف الجدار الإسمنتي المتوسط ...
فقد كنت قصيراً عليه ... وفي كلّ مرة كان يخالجني شعور غريب بأنّ جدتي لا ترغب أن تريني نهاية العالم هذه ؟؟؟!!!! ...
انتظرت أعواماً خمس كاملة ...
كلما أتيت إلى المدينة وإلى منزل جدتي ...
أتملص من كل القابات وأهرب إلى ذاك الجدار ... وبعد تلك السنين .. استطال بدني ... وأصبحت قادرا على الوصول إلى " نهاية ذلك العالم " الغريب .. وربما سأتمكن اليوم ولأول مرة من رؤية ما يدول هناك ...!!!!!
تسلقت الحاجز .. وسمعت أصوات الجيران تصرخ ... انزل يا بني .. انزل يا بني ...
ولكن إصراري كان أقوى ... وتابعت التسلق بكل شغف ... وبكل عنفوان ...
آآآآآآآآآآآآه ..... يا اللللللللللللله ...
ماهذا ....
شدهت .... وانفرغ طرفا فكيّ .... وحجظت عيناي ...
إنها حفرة عظيمة في الأرض .... حفرة كبيرة ... كبيرة جدا ... أكبر من كل الحفر التي أعرفها
كيف لمثل هذه الحفرة أن تكون في أرض مستوية تماماً تسبقها؟؟؟ وكيف حصلت ؟؟ وماهي أصلا؟؟
تساؤلات جاءت لذهني في أول اللقطات التي رأيتها " للعالم الآخر " الذي كانت تحاول جدتي ويجاول آخرون منعي من رؤيته ....
أطفال يلعبون ونساء تغسل الثياب ورجال فقراء ....
وقف الجميع ... ينظر إلى ذلك الطفل المتشعبط فوق السور ... مشدوها بما يراه ...
ماهذا " العالم الآخر " ؟؟؟؟ ولماذا بيوتهم لا تشبه بيوتنا ...
امتدت يدان عريضتان ... قويتان ... وأنزلتاني من على السور .. وصرخ الرجل الأجش في وجهي وقال .. أين منزلك؟؟؟ عد فوراً ولا تقترب من هذا السور مرة أخرى ... هيّا ...
ركضت فزعاً خائفاً ... ركضت عائدا إلى حضن جدتي ...
اندسست فيه لأتدفئ من هول ما رأيت ... وسألتها .. لقد رأيت " العالم الآخر " جدتي ..
لقد رأيته ...
تنهدت تنهيدة كبيرة جدا جدا ... وقالت .... آآآآآآآآآآآآخ يا ابني ... لو تعرف هون شوكان فيه
سألتها بعطش للمعرفة .... شو كان في يا ستي
تخوصرت دمعة على عينيها ... وراحت تنسدل ببطء شديد على خدها المحمر ..
كان في مدرسة حلوة كتير للأولاد ..
بيجو كل يوم الصبح ... بيلعبوا ... وبيتعلموا .. بيفرحوا .. وبيغنوا ... وكل يوم كان يدقوا علي الباب ويقلولي صباح الخير يا تيتي ...
سألتها ... طيب وين المدرسة ؟؟؟؟ وين الأولاد .؟؟ ليش في حيط كبير ؟؟
قالتي ... كلو راااااااح يا ابني .... كلو رااااااح ..
سأتلها بغضب : طيب لوين راح ...
قالتي .. بدلو " العالم الآخر " ... هيك بدهم ....
وأنهت جدتي الحديث بدموع غزيرة حالت دون أن أصر على المزيد من الكلمات ...
بقيت حكاية العالم الآخر قصة عالقة بيني وبين جدّتي ...
ومرت السنون .... كبرت يوما بعد يوم ...
ومرّة وفبما أنا ألامس شفتي .. أحسست بشعر جديد يخرج فوقها ...
أدركت أني حصلت على " الشارب " الذي لطالما انتظرته ...
حينها ... وفي نفس الوقت تماما .. أمسك أحد أخوالي بكنفي وقال ..
سامع يا ناجي ... ستك حلفتني ما إحكيلك ليصير في بوشك شوارب ..
وأنا شايفك عم تفتل شواربك .. يعني صرت رجال وشب وفيني إحكيلك
وتنهدت تنهيدة المتحسر .. الذي أتاه الفرج بعد طول إنتظار ....
صال لي خالي ... هذا " العالم الآخر " هو الوادي ...
وصرخت أنا ؟؟ ما هو الوادي يا خالي ..
واسترسل الخال في حديثه ... واسترسل قلبي في الإنكماش ....
سمعت قصة حماة .... قصة الموت .... وقصة الإباء والكرامة ...
سمعت قصة المدينة الحزينة .... مدينة الدم والأرواح المغتالة ....
وفي النهاية ...
تبين ... أنّ " العالم الآخر " الذي في نهاية حيّنا ماهو إلا ....
صاروخ أرض جو ... أصاب المدرسة وماحولها ...
أطلقتها طائرة حاقدة ...
لكن أشدّ ما يؤلم في قصة " العالم الآخر "
أنّ الطائرة الحاقدة كانت من الجيش السوري ... ويقودها طيّار سوري ...
سامحيني يا حماة ...
لأنني لم ألد في ذلك الوقت
سامحيني يا حماة .. لأنك تحملت كل هذا الألم ... وبقيت حماة الجميلة رغم السنين القاسية ...
سامحيني يا حماة ... فلن أخذلك مجدداً أبدا .... سأكون على العهد ..
أيتها المدينة الطاهرة الغالية

فيديو احياء دكرى مجازر حماه 1982 : هنا
فيديو يحوي صور جديدة عن مجزرة حماه : هنا
حرب على المساجد والكنائس يكرهون الله تعالى وبيوته
الآن الحرب أصبحت بينهم وبين الله تعالى.....قاتلهم الله أينما كانوا
في هذه الصورة نشاهد ماحل بالمسجد الكبير في مدينة حماه بعد أن دكته دبابات حافظ الأسد

وهذه قائمه بأسماء الجوامع التي هدمت في مجزرة حماه 1982
http://goo.gl/kYI7K

شكرا لتعليقك