شبكة الجزائر | تلة الأرامل بقلم دكتور مهدي الحموي
تلة الأرامل
تلة متحولة الألوان تجدها طوال العام باللون الأحمر القاني لون تراب حماة المدمى الحزين وما ان يحل العيد حتى تتحول الى اللون الأسود صباحا ثم الى اللون الأخضر في نهاية النهار
هذه حماه في الثاني من شباط 1982 أنا في أشد الأسف يا ضيفي العزيز على حظك الخائب ,اسمع معي صوت المدافع تدك مآذن المدينة. أنظر الى ساعتك فهي الثامنة والنصف صباحا وها هي المآذن تتهاوى الواحدة تلو الأخرى فالضربات محكمة والإحداثيات معروفة ومدروسة مسبقا ومثبتة على الخرائط و القصف يتم من خارج المدينة. اسمع هذه الانفجارات المترافقة المخيفة التي ينبعث بعدها الغبار وأصوات الانهدامات الهائلة انها الراجمات الصاروخية تتشارك في مسح البيوت للآمنين بيتا بيتا وحيا حيا ويساعدها الديناميت في ذلك.
حيا الله جيش سوريه البطل لقد استطاع مسح أحياء الكيلانية والشمالية وبين الحيرين والعصيدة والزنبقي بالكامل وها قد بدأ في قصف احياء البارودية والشرقية, لقد أصبح حي طريق حلب في طرف المدينة يرى من مركزها .كان صديقي مذهولا ويسألني "هل نحن في حلم". كانت المدافع تضرب من خارج المدينة ثم اصبحت تضرب من داخلها فتهز الارض هزا هائلا. ايام مرت وصديقي معي في حي الشريعة لا ينال مني ابتسامة ويتقاسم معي الطعام الردئ والظلمه كما لم يستطع طمأنة أهله فكل شيئ مقطوع وممنوع رغم أن حينا من أهدأ الأحياء, انه حي الأغنياء في حماه.
بعد أيام من الضيق أيقظني صديقي خالد من النوم ظهرا وناداني للخروج وبسرعة الى السطح وأنكرت عليه ذلك خوف من قناصي الجيش لكنه سحبني من يدي وأحرجني ورحنا نرقب من فتحة صغيرة مايقع في مقبرة سريحين التي تقع في منخفض نطل عليه و حينها رأينا الخنادق تحفر ويوقف الناس عليها صفوفا وظهورهم لها (ليسهل سقوطهم في الخندق) ثم يطلق عليهم النار من جهة وجوهم فيسقطون بالخنادق,وكان ذلك القتل و الدفن يتم يوميا.و كانت سيارات نقل الأحجار(سيارات القلاب) تفرغ حمولاتها من الجثث ثم يهال فوقها التراب وقد لاحظت مرة ان أحد الضحايا انتصب واقفا قبل أن يهال فوقه التراب ثم اتاه التراب فأوقعه وخنقه فاستسلم لمصيره.
تراكم التراب بكميات كبيرة ليخفي رائحة الجثث وأعدادها فكانت تلة كبيرة.
كثيرة هي الاماكن التي احتوت مقابر جماعية لكنها كانت في أماكن سرية وخاصة خارج مدينة حماة كمنطقة الغاب لذا اعتقدت الأرامل والثكالى أن أزواجهن و أولادهن دفنوا تحت هذه التلة وبسبب أن القتلى بعشرات الألوف ولأن السوريين اعتادوا زيارة القبور في صباح العيد لذا تكتسي هذه التلة باللون الأسود ,لون ثياب وقلوب هؤلاء الحزينات منذ الصباح الباكر فتبدوا كعتمة الليل. تغرس كل واحدة منهن نبتة من نبات القاس (الآس) الذي يعمر طويلا مسبحا لله عسى أن يكون هذا في صحيفة هؤلاء الشهداء تسقينه بدموعهن ومن أباريق ماء اصطحبْنها معهن .وفي المساء تتركن المكان بعيون حمراء متورمه وأجسام مهدوده فتبدوا تلة خضراء عدا بعض الزهور من زوجات لم يعشن سوى أيام قليلة مع أزواجهن لذا رعين تربية هذه الأزهار في بيوتهن و يسقينهن بالماء الممزوج بشعور التواصل مع أرواح أزواجهن يوميا لتهدينه إليهم في الصباح الباكر من كل عيد.
دكتور مهدي الحموي
فيديو عن احياء دكرى مجازر حماه 1982 في الثورة السورية : هنا
برعاية صفحة مجزرة حماه 1982 : هنا
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء